فضاء حر

اليدومي ينصح اليدومي لكنّ الأخير لا يستجيب

يمنات
جميل، بل جميلٌ جداً ما كتبه محمد اليدومي رئيس حزب الإصلاح على صفحته في فيسبوك يوم أمس الأول. غير أن هناك مثلاً أمريكياً يقول: “لا تنظر إلى ما يقوله المرء بل إلى ما يفعله!”.
فهل يشبه فعل اليدومي قوله (وأقصد اليدومي كحزب وليس كشخص)؟ دعونا نلقِ نظرة على ما قاله ونقيسه على ما يفعله (أكرر: كحزب) علّنا نعثر على النقاط المشتركة بين قوله وفعله!
منشوره الأخير (19 فبراير) تكون من فقرتين. الأولى، تقول: “نبارك لكل الأحزاب التي استكملت شروط العمل السياسي_ خلال الأيام القليلة الماضية_ والتي التحقت بمن سبقها في ميدان التنافس الشريف في خدمة هذا الوطن وبناء اليمن الجديد..”.
كلام ولا أروع! فنحن أمام قائد سياسي يتحدث بلغة سياسية محتفياً بأحزاب جديدة، بوافدين جدد إلى ميدان العمل السياسي والتنافس الحزبي الشريف.. ومن هذا القائد؟ ليس أي قائد، بل إنه رأس الواجهة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين باليمن، الجماعة التي أجهضت واحدة من أهم وأكبر الثورات الشعبية السلمية في تاريخ اليمن من أجل مصالحها الخاصة والضيقة والمتمحورة حول السلطة، وبعد وصولها إلى السلطة، أفسدتها فوق ما هي فاسدة، وها هي اليوم تستميت في الدفاع عن سلطتها الفاسدة بإسم الثورة التي أجهضتها. وإذن، فأن يأتي مثل هذا الكلام من قائد هذه الجماعة، فإننا أمام أمر بالغ الأهمية. إنه يؤمن بمبدأ “التنافس” الحزبي، و.. “الشريف” كمان! و”التنافس الشريف” في سبيل ماذا؟ “في خدمة هذا الوطن وبناء اليمن الجديد..”.
ياللروعة! لكنْ، هل يوجد تطابق من أي نوع وبأية درجة بين قول اليدومي وفعله (فعله كحزب)؟
ليس سراً ما فعله الإصلاح بالأمس في ساحات الثورة، ويواصل فعله اليوم في الساحة السياسية. لقد أقصى كل الأطراف السياسية وغير السياسية من أجل الإستحواذ على كل شيء. حتى شركائه في المشترك الذين قبلوا أن يكونوا مِطْيَة له، وأقول “مِطْيَة” بالمعنى الحرفي، حتى هؤلاء لم يتورع عن البطش بهم وبقواعدهم داخل ساحات الثورة ومن ثم في ساحة السياسة. وقد كنت شاهداً على عدد لا يحصى من الإنتهاكات داخل ساحة التغيير، عدد لا يحصى من الإنتهاكات وأعمال البلطجة والممارسات التي اقترفها الإصلاح في حق شباب الإشتراكي والناصري والأحزاب الأخرى وأكثر منهم في حق الشباب المستقلين، وهي ممارسات إقصائية لا يمكن وصفها بأقل من أنها كانت قذرة جداً ونذلة لأبعد الحدود. واليوم، في “ميدان التنافس (الحزبي) الشريف” بتعبير اليدومي، ماذا يفعل الإصلاح؟ هل تذكركم ممارساته بشيء يسمى “التنافس” ناهيكم عن شيء يدعى “الشرف”؟
الإجابة لكم! وللأحرار من شباب الإصلاح نفسه والذين سأظل مؤمناً بوجودهم حتى وإن لم تبد لي خصلة شعر واحد منهم في طوفان الحشود الإصلاحية العمياء في تأييد أفعال حزبها وفعائله.
في الفقرة الثانية والأخيرة من المنشور، يقول اليدومي:
“إننا في أمسّ الحاجة للتعايش فيما بيننا ولسنا في حاجة للصراع فيما بيننا، وعلى كل من لا يستطيع أن يتعايش مع غيره أن يتعلَّم كيف يتعايش مع الآخرين ..!”.
جيد أن تأتي هذه النصيحة منك، لكنّ السيء أننا لا ندري لمن هي موجهة؟
بالتأكيد، أنتَ لا تنصح الإشتراكي ولا الناصري ولا الحوثي ولا الجنوبيين ولا المستقلين ولا حتى المؤتمريين لأن كل من هرع من هؤلاء إلى ساحات الثورة مطلع 2011، هرع إليها من أجل تحقيق هذا الحلم بالذات: حلم التعايش والشراكة في بناء اليمن الجديد. وبدلاً من الشراكة، تعرفوا على أسوأ إقصاء، وخرجوا من الساحات- أو أُخرِجوا منها غصباً عنهم- مركولين بأقدام حزبك ولجأ الكثير منهم إلى مشاريع أخرى هي في الغالب مشاريع مضادة للمشروع الوطني الكبير الذي حلموا بتحقيقه، لجأوا إلى مشاريع ضيقة وصغيرة وسخيفة بسبب ضيقكم وصغائريتكم وسخافاتكم التي مارستموها ضد الجميع داخل ساحات الثورة.
إذنْ، لمن توجه نصيحتك؟
ما من قوة سياسي أو غير سياسية في اليمن تستحق أن توجه لها هذه النصيحة أكثر من حزبك وجماعتك.. أكثر منك أنت.
وإذا كنت رجلاً صادقاً، فعليك أن تقنع اليدومي بما تقول!
اقنع اليدومي فقط! وأضمن لك أن مشروع التعايش في اليمن لن يواجه أية صراعات أو عراقيل.. حاول أن تقنعه!
فمن الواضح أن هناك يدوميين إثنين:
“يدومي نمبر ون”، وهو سياسي محنك يؤمن بالشراكة ويرحب بالأحزاب الجديدة والوافدة إلى الساحة ويحثها على التنافس الحزبي والشريف من أجل خدمة هذا الوطن وبناء اليمن الجديد.
و”يدومي نمبر تو”، وهو على النقيض: فهو ليس سياسيا ولا محنكاً بالمرة. مجرد بلطجي لا يكتفي بعدم تقبل الأحزاب الجديدة من الشراكة والميدان السياسي وهو لا يؤمن بالتنافس الحزبي، أما الشرف ف… ضعه على جنب!
ثمة انقسام واضح، بل ثمة تضاد كامل بين “اليدومي نمبر ون” و”اليدومي نمبر تو”. وما من وفاق بين الإثنين على الإطلاق لدرجة أنني بت أعتقد أن المبادرة الخليجية أخطأت طريقها: كان عليها أن تحاول التوصل إلى تسوية وتوافق ليس بين المؤتمر والمشترك، بل بين “اليدومي نمبر ون” و”اليدومي نمبر تو”. فالغياب التام للوفاق بين هذين الطرفين هو كما يبدو لي ما أفشل حتى الآن عملية الوفاق بين طرفي المبادرة الخليجية، المبادرة التي كان عليها أن تجبر “اليدومي نمبر ون” على الجلوس مع “اليدومي نمبر تو” على طاولة واحدة من أجل التوقيع عليها.
ثمة يدومي جيد ينشط في فيسبوك ويدومي آخر سيء ينشط على الأرض، هذا ما يبدو واضحاً وشبه مؤكد عند النظر إلى الهوة الشاسعة والتضاد التام بين ما يقوله اليدومي الجيد في فيسبوك وما يفعله اليدومي السيء على الأرض. ومن الواضح أن اليدومي السيء هو الوحيد من الإصلاحيين الذي لم يضع “لايك” على منشورك هذا، وقد يكون الوحيد بين اليمنيين الذي لا يتفق معك في ما تقوله بخصوص “التنافس (الحزبي) الشريف” وضرورة “التعايش” و”الشراكة” وهلم جراً.
لهذا، أستطيع أن أضع “النسبية” جانباً، وأتوجه لك، انت “اليدومي نمبر ون”، بالتالي: أجزم أن كل اليمنيين موافقين على كلامك السالف كله بل و”يبصمون عليه بالعشر”، وأنا أضمنهم لك جميعاً مقابل أمر واحد بسيط عليك أن تقوم به أنت: أن تضمن أنت لليمنيين موافقة “اليدومي نمبر تو” على ما قلت وتقول في صفحتك..
لماذا لا تلتقيان وتحاول أن تقنعه؟
حاول أن تتحدث معه وجهاً لوجه، حاول، فقد يقتنع..
هل تلتقيان من حين لآخر؟
هل تتبادلان الزيارات؟
هل تلتقيه هنا أو هناك بمحض الصدفة؟
الأمر لا يتطلب منك أكثر من نية صادقة وقرار بسيط. وإذا رفض لقاءك، فقم بمداهمته في مكتبه في رئاسة التجمع اليمني للإصلاح حيث يداوم يومياً!
فاجئه وهو منكب في مكتبه على اتخاذ القرارات الحزبية المضادة تماما لكل ما تقوله وتكتبه على صفحتك في فيسبوك، وتدمير ما تبقى من فرص لليمن في النجاة!
قل له إن أوضاع البلد لم تعد تسمح أبداً بأن يواصل ما يفعله!
وإذا لم يستجب، فخذ مطرقة واهوِ بها على رأسه!
هل لديك مطرقة تدقه بها يا أستاذ محمد؟
دقّه! أو سلمه المطرقة واطلب منه هو أن يدقّك بها!
فالبلد لا يحتمل يدوميين إثنين.. البلد لا يحتمل سوى يدومي واحد:
إما “اليدومي نمبر ون”،
أو “اليدومي نمبر تو”..
إما “اليدومي الجيد”،
أو “اليدومي السيء”.
أما الإثنين معاً، فهذا أمر لا يحتمله بلد، ولا يحتمله أحد، بمن في ذلك: أنتَ.
من حائط الكاتب على الفيس بوك

زر الذهاب إلى الأعلى